top of page

الإبداع والإنتاج .. جدلية العلاقة بين المتناقضات


إن لم يكن لدينا ما يستحق أن نموت من أجله، فما جدوى الحياة؟

فيلم حياة رائعة A Beautiful Life، إنتاج نتفلكس لعام ٢٠٢٣، من إخراج مهدي آفاز، بطولة كريستوفر ينسين ولينگا وتير. تدور أحداث الفيلم حول الشاب الصياد الذي يعيش في سفينة والده المتوفي، حيث يتمتع بصوت غير عادي، ولديه ملكة كتابة كلمات وألحان أغانيه. يحصل على فرصة العمر عندما تكتشفه مديرة شركة الموسيقى المشهورة والناجحة، تضعه تحت تصرف ابنتها التي هي في نفس الوقت منتجتها الموسيقية، وذلك بهدف صقل هذا الفنان، كمشروع لمغني عالمي مشهور.

قصة وحبكة الفيلم تقليدية وبسيطة، لكن ما أثار انتباهي هو كيفية تعامل شركات الإنتاج الأثرياء مع الإبداع الفني عامة، والغنائي خاصة، للمبدعين الفقراء؟ كيف يخططون "بخبث" التسويق من جهة، و"بحب" صادق وحقيقي من جهة أخرى، في اكتشاف وصقل المبدع الجديد الذي لا يمتلك مفاتيح الشهرة الجماهيرية والإعلامية. تناقضان واضحان في عيون مديرة الشركة ومساعدها وابنتها المنتجة، التخطيط لتسويق هذا الفنان كمشروع تجاري، والحب والصدق ونكران الذات في آن واحد، ومن نفس الشخصيات الثلاث، استغلال "غفلة" و"رغبة" و"حاجة" هذا المبدع الجديد، والتخطيط الممنهج والعلمي والتدريبي والتسويقي لصعوده إلى العُلا فنياً. والهدف النهائي سيكون لصالح الطرفين: الثروة لهما، والشهرة الفنية للمبدع، والشهرة الإنتاجية والتسويقية للشركة والمنتجة.




الحب، يقلب الموازين!

من طرف آخر، كيف لمبدع "فقير" و"غير الواعي" لإبداعه، و"غير الواثق" من نفسه، فالمبدع الحقيقي دائماً يخشى من الفشل، والمنتجة واعية لذلك، فهي قد تمكنت من تحليل شخصية هذا المبدع،"هو مبدع في الغناء، لكنه يخشى أن يغني". تحاول المنتجة "الثرية" أن تُفجر في عقله ووجدانه ملكات الانطلاق الحر والمستقل لمشاعره، وهنا يظهر التناقض الثالث الجميل، تناقض بين الذاتية، والمنفعة المشتركة، وخلق الإبداع لجميع البشر. والسر في تلاقح وتعاون كل هذه المتناقضات هو "الحب". فحين تتلاقى الطبقتان المتناقضتان: البرجوازية، والكادحة، في العشق والحب، بين هذا الصياد وتلك المنتجة الثرية، وفي العشق الفني الأصيل، وفي الإبداع الحقيقي، والمشترك في الألم الأسري جراء فقدانهما معاً لأبويهما، حينها، في تلك اللحظات المشتركة، ستعمى القلوب الأنانية، وستتراجع الذاتية، و"الخلق يبدأ"، الخلق الإبداعي. فالإبداع الفني يحتاج إلى الحب، وليس إلى الصراع، أن تتصالح وتتعاون المتناقضات جميعها من أجل هذا الخلق الجديد. هذه هي رسالة الفيلم. رسالة بأن يكون لكل متناقض هدف إنساني حتى يكون هناك جدوى للحياة معاً. وهذه الرسالة تتوضح في تكرار الفنان في أغنيته الأولى التي استمعنا إليها في أكثر من مشهد في الفيلم. تقول الكلمات: إن لم يكن لدينا ما يستحق أن نموت من أجله، فما جدوى الحياة؟

موسيقى الفيلم، وكلمات أغاني هذا الصياد وألحانه جميلة وهادئة ومثيرة للعشاق، وللمراهقات على وجه الخصوص.



آليات التسويق للإبداع:

يكشف الفيلم أيضاً، كيف تخطط شركات الإنتاج، وهذه المنتجة/الحبيبة للدعاية الممنهجة لتدشين أغاني هذا الفنان. فبعد التدريب والصقل، وخلق الثقة، والتأكد من نجاح المغني، لحناً وكلمات وصوتاً، تبدأ خطة "الترويج" الإعلامي. وذلك عبر بث مباشر وهو يغني، ونشر الأغنية على كل الصفحات الشخصية والمنصات وشبكات التواصل الاجتماعي، وبعدها تتطور الأمور أتوماتيكياً. لينتهي الفيلم بأغنية جميلة ومعبرة، تهز الروح والبدن، وقد تتساقط بعض الدموع من القلوب التي تحتضن الإحساس!.

83 views0 comments
bottom of page