top of page

البراناياما




البرانا كوثر الخلود

تشغل البرانا حيزا هاما في كل التقاليد السرية للأديان الهندوسية، والتاوية، والبوذية، والمسيحية وقد استخدم اليوغيون البرانا منذ القدم ضمن تمارينهم الروحية والعلاجية. وقد ذكرها اليوغيون القدامى في كتاب الأوبانيشاد عام 700 ق.م. ثم أتى من بعدهم غوراكسا وماتيساندرا وعملا أسلوبا خاصا في التنفس البراني لمحاربة الأمراض وذلك بين عامي 58 ق.م. و78 ب.م.

لا يؤمن الكثير من الناس إلا بما يقع تحت حواسهم، ولكن هناك الكثير من الأشياء التي نؤمن بها دون أن نلمسها، ولا نشاهدها، أو نسمعها كالكهرباء، والمغناطيس، والألوان فوق البنفسجية؛ والسبب في ذلك محدودية حواسنا، والبرانا أحد هذه الأشياء التي تقوم عليها حياة البشر والمخلوقات الأخرى دون أن تدركها أعضاء الحواس. وقد استخدم اليوغيون البرانا منذ القدم ضمن تمارينهم الروحية والعلاجية وجنوا فوائدها العظيمة من اكتساب الصحة النفسية، والجسدية، والنشاط، والحيوية، والتخلص من القلق وتنمية الحدس.

وكلمة برانا تعني جوهر الحياة بينما ياما تعني فن اكتساب جوهر الحياة إذاً فالمعنى الكامل لكلمة برانا ياما تعني: فن اكتساب هذه الحيوية مع السيطرة عليها.


والسيطرة هنا تشمل كل عمليات التنفس بمراحلها المختلفة تحت المسميات الآتية:-

1) الشهيق: هو ملء الرئة بالهواء وتسمى (بوراكا).

2) الزفير: تفريغ الرئة من الهواء أو إنهاء العملية وتسمى (ريكاكا).

3) التوقف أو حجز النفس وهي الحالة التي ليس فيها شهيق ولا زفير وتسمى (كومبكا).

والكومبكا تدخل في كل المراحل الثلاث التي أشرت إليها مسبقا، ولكن هناك حالتان مختلفتان للكومبكا. الأولى عند توقيف النفس بعد عملية الشهيق وملء الرئتين بالهواء وتسمى العملية (انترا كومبكا) أما عند توقيف النفس بعد الزفير الكامل وتفريغ الرئتين من الهواء قبل أخذ الشهيق فتسمى هذه الحالة (بايا كومبكا) إذاً الكومبكا تعني الفترة الزمنية الفاصلة بين عمليتي الشهيق الكامل والزفير.


والبرانايما يجب أن تُمارس بحذر شديد، وبعناية وببطء أو تحت إشراف أستاذ متمرّس مع الأخذ في الاعتبار قدرة ومحدودية الشخص الجسدية وإلا فإنها قد تؤدي إلى عواقب وخيمة وخطيرة.

وحياة اليوغي لا تقاس بعدد الأيام بل بعدد مرات التنفس، لذا يجب على المتمرن إتباع نمط وإيقاع بطئ من التنفس العميق، هذا النمط من التنفس البطئ الموزون يقوّي الجهاز التنفسي، وينعش الجهاز العصبي، ويحقق الغاية العظمى وهي خفض وتيرة الرغبات والتي تفضي إلى تحرير العقل وتجعله كالعربة المناسبة للانتقال للمرحلة القادمة وهي التركيز.

وإذا كان باستطاعة العقل مراقبة التنفس متابعا سريان البرانا فإن مراقبة الأنفاس؛ جمع (َنَفس) تساعد على مراقبة الفكر والتصور، من ناحية أخرى بقدر ما تؤثر المتع العاطفية وبشكل مباشر على وتيرة وتردد التنفس، يؤدي ضبط إيقاع وتيرة التنفس إلى السيطرة على تلك المتع وإيصال اليوغي إلى تحقيق الهدف الأسمى وهو الضبط والسيطرة على العقل، إذ كلما اتقنا التنفس إراديا تمكّنا من ضبط العقل.


والبرانا هي مصدر كل حركة في الكون، ومصدر كل قوة وطاقة، وهذه الطاقة التي تتخلل كل مادة في الكون وهي كائن في الجو والهواء بالرغم إنها ليست من مادة الهواء ولكنها متغلغلة فيه، ويحصل عليها الإنسان والحيوان والنبات أثناء العملية التنفسية، وإذا فقدت هذه المادة من الهواء ذبلت الحياة، وهذه المادة موجودة في كل مكان، بل إنها تخترق الأماكن التي لا يمكن للهواء أن يلج إليها، ومن الناحية البيولوجية تحصل أجسامنا على هذه الطاقة بصورة دائمة في كل مرة نستنشق فيها الهواء، وتقوم أجسادنا بامتصاصها عن طريق المراكز العصبية في الجسم ولكن عندما نجعل تنفسنا يوغيا إراديا فإننا نحصل على قدر وافر من البرانا بل يمكن تخزين الفائض في المخ والمراكز العصبية المختلفة ويمكن لليوغي القيام باستخلاص الكمية التي يريدها من البرانا لتجديد الحيوية والنشاط لخلايا عقله وغدد جسمه.

إن الأكسجين يتفاعل مع الدورة الدموية، أما البرانا فإنها تتفاعل مع الجهاز العصبي فكما تسري الدماء في جميع أعضاء الجسم تسري البرانا في الأعصاب كما تسري الكهرباء في الأسلاك، ولكي نفهم آلية امتصاص البرانا علينا أن نتعرّف على الجسم السيّال في الجسم.


إن البرانا التي نأخذها من الهواء عبر التنفس هي البرانا العليا وهي لا تغذي جسمنا المادي فقط بل تغدي جسما آخر هو الجسم السيّال، وهي تؤدي وظيفة حيوية في تماسك خلايا جسمنا السيّال وهذا يفضي إلى تماسك الخلايا في جسمنا المادي ورغم أن الجسم السيّال غير مرئي إلا أن اليوغا تؤكد على أنه موجود على شاكلة الجسم المادي فهو يتغذى ويتنفس ويهضم. ويتغذى جسمنا السيّال من نوع من البرانا تسمى الابانا أي (البرانا السفلى) ويحصل عليها الجسم السيّال من الأطعمة التي نتناولها حيث أن الأبانا (البرانا السفلى) هي المكون الأساسي للجسم السيّال للحيوانات والنباتات ولكن في المقابل يأخذ جسمنا السيّال حاجته أيضا من البرانا العليا.

أما أعضاء جسمنا السيّال فتتكون من قناتين (ناديان) ينطلق الأول من المنخر الأيمن ويسمى (بنغالا نادين) وينطلق الثاني من المنخر الأيسر (أيدا نادين) ويتشابك الإثنان في مسيرتهما أربع مرات حتى يبلغان عظمة في العجز عند نهاية العمود الفقري، وهاتان القناتان تحملان البرانا الموجبة والسالبة (البرانا العليا) كذلك توجد قناة ثالثة (نادي ثالث) ويدعى (سوشامنا) وهي تمتد من قمة الرأس في خط مستقيم رئيسي خلف العمود الفقري إلى الضفيرة العجزية، هذه القنوات الثلاث البنغالا وألايادا والسوشامنا هي الأعصاب الرئيسية في الجسم السيّال وتجتاز القناتين المنطلقتين من المنخرين في طريقهما مراكز تسمى التشكرات وهي تقع على طول خط السير اللولبي أو عند التقاطع أو تحته وهذه التشكرات تتطابق مع الضفيرات العصبية في جسمنا المادي، بمعنى أن هناك تشابها بين الجسم المادي والجسم السيّال وعليه يمكننا تخيل التشكرة كزهرة تنطلق ساقها من العمود الفقري وتتفتح حوله.

وهذه التشكرات فى الصف الأعلى تمثل الجسم السيّال وفى الصف السفلي وتمثل نظيراتها من الغدد الصماء في الجسم المادي، وهى بالترتيب من أعلى الرأس إلى أسفل:

  1. ساهيسرارا

  2. أجنا

  3. فسيهودى

  4. أناهاتا

  5. مانيبرا

  6. سوادهيستانا

  7. مولادهارا


  1. الغدة الصنوبرية

  2. الغدة النخامية

  3. الغدة الدرقية

  4. الغدة الصقرية

  5. الغدة البنكرياس

  6. الغدة الكظرية

  7. الغدد التناسلية

في الختام يجب أن نعي أن الصحة منوطة بثلاثة أمور أساسية:

1) التوازن في الطاقة بين البنغالا والايدا الايجابية والسلبية وهو الشحن القادم من المنخرين.

2) كمية الطاقة المشحونة من المنخرين.

3) قوة التشكرات ومقاومتها أمام مرور البرانا وبشكل عام أي اختلال في توازن الجسم السيّال يؤدي إلى اختلال في توازن الجسم المادي ولا ينصلح الآخر بدون الأول أما الاختلال فمصدره علة في التنفس.

وقد أولت الهاثا يوغا التنفس وعلقت عليه أهمية كبرى في حقلين منفصلين. حقل الوضعيات حيث أوصت بضرورة أن تسير خطوات الوضعية بتوافق مع التنفس، كما جعلوا من التنفس الرتيب عند الوصول لأقصى الحركة أمر إلزامي حتى يتسنى للعضلات الحصول على الطاقة والأكسجين اللازمين للجهد المبذول، أما في حقل البراناياما (فن التنفس العميق) فقد يدهشك حرص اليوغيين على التقيد بأكثر من 43 بنداً أساسياً تجمع بين الضرورات والمحاذير حتى تجنب التلميذ مغبة الوقوع في الخطأ، أما تمارين التنفس العميق (البراناياما) الأساسية فلم تتجاوز ألـ 14 تمرين فقط؟! فقد أوصوا بممارسة بعضها كتمرين الاوجاى أو الانوفوليوم بعناية شديدة دون خوف في حين أوصوا بممارسة باقي التمارين على يد مدرّب متمرّس (غورو) وفي هذا السياق يقول أحد مشاهير اليوغا (شرى أيونغر): أن رئة الإنسان تجمع بين القوة غير المحدودة والنعومة الشديدة، وتمارين التنفس عند التدرّب عليها وممارستها بحذر وإتقان تجعل من الرئة أداة قطع كتلك الآلة التي تقطع بالماء أشد الأحجار قسوة إذا أحسن العمل بها على يد مدربه.. ولكن سوء استخدام هذه الآلة قد يقود إلى تلف الاثنين الآلة والحجر معاً.



هكذا هي الرئة فهي من النعومة والقوة بمكان ما يمكنها من فعل أشياء استثنائية تعيد للجسد العليل صحته في وقت قياسي جداً. أما إذا مورست تمارين التنفس في غياب الرقيب، ودون التقيد بالإرشادات والتعليمات فإن النتائج تكون غير محمودة، بل ربما تكون وخيمة وفي هذا السياق نقف على تمرين يوديانا بندا حيث تقدم اليوغا تفصيلا شيقاً عن طريق إعداد الجسم لهذا التمرين، حيث يقوم الممارس بأخذ شهيق عميق، يعقبه زفير عميق، ثم سحب محتويات البطن للداخل بحيث تلامس حافة البطن الخارجية العمود الفقري، أما الفائدة المرجوة من هذا التمرين فيقول: ( (It’s the Lion that Killed the elephant death

202 views0 comments
bottom of page