رأس المال الكولونيالي .. أول اصدارات هشام عقيل

صدر حديثاً للكاتب البحريني هشام عقيل عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر كتاب بعنوان (رأس المال الكولونيالي: نحو نظرية علمية للتبعية).
تأتي فرضيات كتاب (رأس المال الكولونيالي) رداً على الجدل الذي دار، وما زال يدور، في أدبيات الاقتصاد السياسي للتبعية، إذ يتناول عقيل مسألة التبعية في المجتمعات المعاصرة ويستنبط، من خلال تحليل تلك المجتمعات، القوانين العامة المحرّكة لها. يرى عقيل أن هذه القوانين لم تستنبطها أيّ مدرسة فكرية بعد، إذ يقول:
((أعدتُ قراءاتي لعلّي أجدُ شيئاً عند المفكرين الذين مررت بهم سابقاً، أو لعلّي أجدُ شيئاً جديداً عند المفكرين المعاصرين، الذين يتناولون التبعية بأسئلة شبيهة بتلك الأسئلة التي وجدتُ نفسي أطرحها. ومهما ارتبطت تلك الأسئلة بقضايا ملموسة، فإن السؤال الأساسي الذي لم أجد له جواباً عند أيّ من المفكرين (ولهذا السبب بالتحديد أدركت حينها أنه لا توجد نظرية حول التبعية قد ارتقت إلى المستوى العلمي بعد) هو: ما هي القوانين الداخلية لنمط الإنتاج الكولونيالي بشكل منعزل ومستقل عن النظام الرأسمالي العالمي؟))
يدرس عقيل قوانين المجتمعات الكولونيالية التبعية كما لو كانت، وفقاً لتعبيره، في جزيرة معزولة عن العالم. وذلك لكي يدرس آلية، وحركة، تلك المجتمعات على نحو لا تؤثّر فيه العوامل الخارجية، وبالتالي يستخرج القوانين على نحو صافٍ نظرياً، وهذا يعدّه الأسلوب العلمي في التحليل. توصّل عقيل في دراسته للفرضية التالية: إن المجتمعات الكولونيالية، وفقاً لطبيعة رأس المال الكولونيالي، تمتاز بالتوسع المحدود، وهذا القانون محكوم بما سماه ميل تضخّم التراكم-النسبي. هكذا، لا يرى عقيل أن المجتمعات الكولونيالية مقدر لها أن تصبح مثل المجتمعات المتروبولية المتقدمة، وإنما قدرها هو أن تبقى في تلك المحدودية.

في الوقت ذاته، أدّت هذه الدراسة إلى صعوبات جديدة، إذ لما كان عقيل يعتبر المجتمعات الكولونيالية، أو نمط الإنتاج الكولونيالي، فصيلة من فصائل نمط الإنتاج الرأسمالي عموماً، دفعه ذلك ليتساءل عما إذا كان هناك قانون يحكم آلية تفرّق الأنماط الإنتاجية إلى فصائل مختلفة، وهكذا حسب تعبيره:
((أدّت دراسة نمط الإنتاج الكولونيالي إلى كشفٍ نوعي في العلم التاريخي، فيه وجدتُ أن الأنماط الإنتاجية لا تتحدّد فقط بأبنيتها الأساسية (العلاقات الإنتاجية والقوى الإنتاجية) وأبنية الممارسة فحسب، وإنما بأبنيتها الاقترانية كذلك. بهذه الطريقة توصلتُ إلى تلك الآليات التي تجعل من الممكن لنمط الإنتاج الرأسمالي (بل أيّ نمط إنتاجي آخر في التاريخ) أن تقترن عناصره بشكلين مختلفين من دون الرجوع إلى المحدّدات الخارجية التي تخالف الطريقة العلمية في التحليل. وحالما تمكّنتُ من تحليل نمط الإنتاج الكولونيالي بشكله التجريدي، توصلتُ إلى قوانينه الموضوعية - أي قوانينه المحركة - التي تتميّز عن تلك القوانين التي تُحرك نمط الإنتاج الرأسمالي المتروبولي.))
هكذا، وجد أن الفرق الفيصل بين نمط الإنتاج الكولونيالي ونمط الإنتاج المتروبولي، رغم أنهما نمطان رأسماليان، يكمن بالتحديد في الفرق بين أنماط اقترانهما، وهذا ما يسميه وفقاً لتعريفه الخاص: العمران. وبالتالي، أدت الدراسة حول نمط الإنتاج الكولونيالي إلى اكتشاف نوعي جديد في العلم التاريخي، إذ أصبحت معالم هذا العلم واضحة، وموضوعه - العمران - واضح كذلك. وفقاً لعقيل:
((واجه العلم التاريخي، أي الماركسية (بمعنى اكتشاف ماركس وإنغلز العلمي)، تحدّيات حقيقية امتدت لأكثر من قرن، ولكن فيما تمكّن هذا العلم من قيادة انقطاع إبستمولوجي يفصله كلّياً، أي يؤسسه كعلم، عن الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، والنظريات التاريخية، ونظريات السياسة والدولة، والنظريات الطوباوية للاشتراكية، وبالتالي قدّم الدولة، والاشتراكية، والتاريخ، نحو العلم (بالمعنى الإقليمي أو الجزئي أو الميلي للكلمة، إذ حقّق علمنا العمراني، بعد اكتشاف النظرية الكولونيالية، القطيعة الإبستمولوجية الكونية في هذه النظريات كذلك، ومن دونها ستقبع هذه النظريات في مرحلةٍ غير مكتملة من القطيعة العلمية)، رغم أنها احتاجت إلى تثويرات علمية