top of page

سروش: الثورة الثقافية في إيران وما ينبغي أن يكون


النص التالي عبارة عن ترجمة لمقابلة صحفية أجرتها صحيفة (لوح) الإيرانية مع المفكر الإيراني المعروف عبدالكريم سروش، يستعرض فيها تجربته فيما أسمي بهيئة الثورة الثقافية (والذي تطور لاحقا إلى مجلس الثورة الثقافية) وما اكتنف هذه التجربة من تجاذبات سياسية وثقافية كانت الحوزات والجامعات قطبيها الرئيسين. التماسّ بين الوعي الحوزوي والوعي الجامعي هو أحد محاور هذا اللقاء وإذا كانت هذه المقابلة تبدو للوهلة الأولى تناولا تأريخيا (وقد امتزج فيها التأريخ بالتحليل) لمرحلة مفصلية من عمر الأمة الإيرانية وانعكاساتها على المناخ الأكاديمي، أعني إذا كانت تتناول شأنا إيرانيا خالصا في عناوينه الأولية فإنها حين ترصد أبرز ظواهره الثقافية تحاول استشفاف مسائل أكثر جوهرية وعمقا تمس تفكيرنا الجمعي مباشرة -الفكر الديني عامة والشيعي على وجه الخصوص- أعني بها تلك التداخلات الأزلية بين الدين والعلم، والدين والسياسة، والنص والتأويل، والحداثة والتقليد..وهي تداخلات تلقي بظلالها دون ريب على فهمنا وتمثّلنا للدين، وتثير فينا بهذا بعض المساءلات الهامة التي قد تحفز لإجراء حفريات معرفية تقود لإعادة مراجعة ثقافية لتفكيرنا وتفكيك آلياته. أخيرا، هذا النص مترجم في نسخته العربية عن ترجمة باللغة الإنجليزية قام بها (نيلو موباسر) عن الأصل الفارسي للمقابلة. كل ما أثير حول اتحاد (الحوزة-الجامعة) تضمّن أساسا معاني سياسية، غير أن ما قيل فبل ذلك كان علميا في صميمه. كيف يمكن تعريف الوحدة العلمية وإلى أين تقودنا الوحدة السياسية؟ إحدى الدعوات المهمة والبارزة التي انطلقت في سياق الأحداث المعروفة بـ(الثورة الثقافية) كانت الدعوة لاتحاد (الحوزة-الجامعة)، لا أعرف من الذي أطلق هذه الصيحة أو صاغ هذا الشعار أولاً، لكنها أخذت تتردد على نحو متكرر في بدايات الثورة. أستطيع القول بأن العديد من الحوارات والمؤتمرات تم تكريسها لتعريف وشرح اتحاد الحوزة-الجامعة أو تجمع الحوزة-الجامعة. في تقديري الآن أن مفهومه لم يكن واضحا في البداية ولم يتضح أكثر فيما بعد. لقد ظل مفتقرا لشيء ما، أثار جدلا على نطاق واسع وتمخض عن نتائج بسيطة. أعتقد أن فكرة اتحاد الحوزة-الجامعة انبثقت من رحم صراع تاريخي محتدم متجذر في الثقافات الدينية عامة، وممتد إلى ثقافتنا الدينية الخاصة: الصراع بين العلم والدين. قبل النهضة الأوروبية كان هناك مصدر واحد للمعرفة: الدين. بعد النهضة، ثمة على الأقل مصدر آخر هو العلم. لكي أكون أكثر دقة، ظفر العقل الإنساني باستقلاليته، وهذا بالضبط ما عنته العلمانية وما تعنيه دائما. لقد اختار العقل اللا ديني طريق اكتشاف الأشياء دون التعويل على الدين أو البحث عن تخويل منه، والكينونة البشرية أضحت متعددة المصادر. حينما يكون هناك أكثر من مصدر، فإنها دعوة لتكون العلاقة بين هذه المصادر موضع بحث. هل هي تتصادم أم تتلاقى؟ هذا ما جعل الصراع بين الدين والعلم يمثل موضوعا بالغ الخطورة بالنسبة للمؤمنين والمتدينين. الجامعات هي نموذج العلم ومولّده بالمعنى الحديث للكلمة. الحوزات هي نموذج التفكير الديني والتعليم الديني ومنبعه بمعناه التقليدي. إذن أحد تجليات المصالحة بين العلم والدين هو المصالحة بين الجامعات والحوزات. أعتقد أن أغلب الحوادث التي طرأت في بلادنا –خصوصا منذ الثورة- هي مظاهر صراعات وأفكار قديمة العهد في أرضنا: المعركة بين الحكم الاستبدادي ومعارضة الاستبداد، المعركة بين الدين والعلم..إلخ. وربما كان يدور في خلد الذين أطلقوا شعار اتحاد الحوزة-الجامعة هاجس المصالحة بين العلم والدين وحاولوا أن يضعوا أصابعهم على تجليات العلم والدين الملموسة والقابلة للملاحظة. إذن، المعنى الأولي والبسيط لاتحاد الحوزة-الجامعة هو إنهاء حالة الصراع بين الدين والعلم. إنهاء هذا الصراع هو قضية علمية وليست سياسية أو عملية. للعلم منطقه الخاص ورؤيته للعالم ومنجزاته، وللدين أيضا منطقه الخاص ورؤيته للعالم ومنجزاته. التسوية بينهم وإثبات أنهما يمكن أن يتعايشا وليسا في تصادم هو عمل تقتني وعقلي وعلمي تماما. يجب أن يُنظر إلى اتحاد الحوزة-الجامعة قبل كل شيء باعتباره مسعى علميا. بكل بساطة، المنغمسون في التعليم الحديث والمنغمسون في التعليم الديني أو علماء الدين لا ينبغي أن يكونوا أعداء، ولا يجب أن يثير بعضهم المشاكل للبعض الآخر، أو يسعى كل طرف منهم لتوهين سواه. إذن فكرة اتحاد الحوزة-الجامعة تحيل إلى هذا المعنى البسيط: إنزال المفهوم التاريخي العميق إلى مستوى أكثر تحديدا وظهورا، وموضعته في حدود سياسية معينة. بعد الثورة ووصول علماء الدين إلى سدة الحكم، اتجهت فكرة اتحاد الحوزة-الجامعة (التي تعني إشاعة الفهم بين أساتذة الحوزة والأكاديميين) شيئا فشيئا نحو انصياع الأكاديميين لعلماء الدين وأساتذة الحوزة. لأنها -كما أرى- فقدت معناها العلمي والمنطقي واكتسبت معنى سياسيا وعمليا. وبالتالي -نظرا لحقيقة أن علماء الدين هم رجال السلطة- أصبحت الفكرة تعني خضوع الجامعيين وامتثالهم للحوزويين. كان ذلك خاتمة المطاف لفكرة اتحاد الحوزة-الجامعة. قدّم أشخاص مؤخرا نظريات متعددة بهذا الخصوص وطرحوا أمورا عديدة. أتذكر أن أحدهم قال لي على سبيل الدعابة إن أحد معاني اتحاد الحوزة-الجامعة هو أن يتزاوج الأكاديميون والحوزويون وينسجوا فيما بينهم علاقات عائلية! حينما لا يكون أمراً ما واضحا فإن تفسيرات من هذا النوع ممكنة.

ماذا تعني [هذه الفكرة] برأيك؟ بالنسبة لشخص مثلي يذهب إلى أن اتحاد الحوزة-الجامعة ليس سياسيا في جوهره وفي المقام الأول، وبمثابة أمر يجب أن يؤخذ بمنتهى الجدية ويُنأى به عن مجال الشعارات السياسية فإن وحدة الجامعة-الحوزة تعني اتجاها موحدا في الدراسة والبحث. لقد قلت مرارا وتكرارا في كتاباتي ومحاضراتي إن الحوزات يجب أن ينظر لها كمؤسسات للتعليم، تماما كما يجب أن ينظر للجامعات بهذه الطريقة. مؤسستان للتعليم ربما تدرّسان مواد مختلفة لكنهما –إذا اتحد اتجاههما ومناهجهما- يمكن أن يتعايشا ويحافظا على وحدة وثيقة بينهما. في رأيي أنه لا ينبغي أن يترسخ في أذهان الحوزويين أنهم يتكلمون باسم الدين فيستبدوا بالرأي. هذا الرأي يعود إلى نظرية عرضت لها في كتابي (القبض والبسط) حيث قلت إن هناك فرقا بين الدين والمعرفة الدينية. يتضمن الدين ما نطق به الله حقيقة أو ما نطق به الرسول. أما المعرفة الدينية فتتضمن فهمنا وإدراكنا لما قاله الله أو الرسول. إذن، كل ما نقوله أو ندركه إنساني وعرضة للخطأ. هذا يفسر -رغم أن علماء الدين في حوزاتهم يدرسون الدين ويتأملون كلام الله والرسول- أن ما يظهرونه للناس في النهاية ليس كلام الله ولا كلام رسوله، إنه كلامهم الخاص. أسوق هذا للقول بأن الدين لا يستطيع الحديث وإننا المتحدثون تمثلا له. إذن، ما نقوله هو فهمنا وتمثلنا للدين. هذا هو واقع الأمر، لا يجوز لنا إبراز كلامنا في مظهر استبدادي وتقديسي أو الادعاء بأن ما نقوله مقدس لا يُمس. نعم، الله ذات مقدسة، لكننا لا نتحدث بلسان الله، نحن نعبر بكلامنا باسم الل