علاء وهو يتدرب على موته

عندما كتبت عن علاء غواص عام ٢٠٠٨، كنت لا أعرفه حينها، فقط كنت مبهوراً بتجربته الأولى التي صاغها باللغة الإنجليزية شعراً متبنياً المدرسة الغربية في تنفيذ أغانيه لحناً وأداءاً. وكان أداؤه باهراً حينها، حيث طرح هوية واضحة (منذ البداية) لشخصية الصوت الذي سيمثله في رحلته الغنائية. ومنذ ذلك المقال سمح لي علاء بأن أكون قريباً جداً من تجربته الفنية، مما أتاح لي فرصة ذهبية كي ارقب الهّم الإبداعي المتراكم عند هذا الفنان، والقلق الذي يلازمه في تنفيذ أعماله، كما أنه منحني درساً مهماً في كيفية إدارة المشروع الفني منذ الفكرة وحتى الإصدار.

واليوم وأنا أكتب مقالي عن البوم ”بروفة موت“ أشعر وكأنني أكتب عن تجربة علاء غواص الأولى .. ففي انعطافته المباغتة في الذهاب ( لن أقول الرجوع ) الى اللغة العربية، قرر علاء في رأيي الشخصي أن يرسم طريقاً موازياً لتجربته السابقة وليس مكملاً لها.. شعرياً على الأقل، فطالما كنت ارى بأن الشاعر الذي يسكن علاء مازال ينافس الموسيقي، ويسبقه في أحيان. و إذا أمعنّا الاصغاء في الإرث الغنائي لدى العرب، سنجد بأن حضور الكلمة في ثقافتنا الموسيقية لها التأثير الأكبر على المنتج الغنائي، وهذا ما يجعل هذا الجيل في ورطة حقيقية بما يتعلق بالأغنية، فمع التطور والتنوع الموسيقي الذي ساهم في تشكيل الحركة الموسيقية العربية المعاصرة، إلا أن النص الشعري الغنائي ظل حبيساً لمواضيعه الكلاسيكية منذ عكاظ وغرناطة، بل ازداد فقراً وغابت جرأته.

وهذا ما جعل الكثير من المغنيين يتوجهون الى غناء شعرٍ لم يُكتب للغناء، فقط لأنهم يرون فيه مواضيع تشبه الحرية التي يودون الذهاب اليها، وايضاً ذهب البعض الى كتابة نصوصه بنفسه كي يستطيع الوصول لما يريد، ومع ان كتابة المغني لكلماته لم تكن شائعة بشكل كبير في ثقافتنا العربية، بسبب هيمنة شخصية الشاعر في التراث العربي، الا ان هناك تجارب كثيرة حققت هويتها وهي بمثابة مدارس مهمة للجيل الحالي من المغنين. حيث نجد في النصوص التي غنتها تانيا صالح وزياد الرحباني، و سعاد ماسي، و فرج سليمان، وغيرهم خروجاً شرساً على السائد من المواضيع في نصوصهم الغنائية. كما ظهرت الكثير من الفرق الموسيقية في مصر والأردن وفلسطين التي كتبت أغانيها بنفسها، فصيحة كانت أو دارجة، والتي تعبر عما سكتت عنه الأجيال السابقة. و بما أن علاء اعتاد ان يكتب نصوصه بنفسه منذ البدايات الغربية.. قرر بعد عبوره اللغة أن يحافظ على هويته ويكتب النص الذي يشبهه دون أن يتنازل عن أي حرف.
ففي تجربته ”بروفة موت“ يأخذنا النص في رحلة مليئة بالرمز الداكن والمشحون بالأسئلة التي تواجه كثيراً من الأصنام الاجتماعية وتستفز النواميس التي ساهمت في حجب التدفق الفكري للجيل المعاصر من صناع الأغنية العربية في البحرين والخليج بشكل عام، فيما استطاع صناع الأغنية (البديلة) في بقية دول العالم العربي التمرد عليها وتجاوزها، لكن مازلنا في الخليج نعاني من هذا التكبيل الذي يظهر واضحاً في شكل الأغنية العربية في منطقتنا. استطاعت الحركة الشعرية في البحرين التحرر من هذه الهيمنة الفكرية منذ الستينيات مع ظهور المدارس الحديثة في الشعر لكن ظل الشعر الغنائي أسيراً للشكل والمضمون في ذات الوقت. مما جعل خيارات الملحنين والمغنين تدور في نفس دائرة هذه المواضيع، لولا محاولات بعض الفنانين الذي استعاروا نصوصهم من حرية شعراء الحداثة وما بعدها.
ويذهب علاء في موته هذا بصناعة شعره الخاص ليلائم رحابة أسئلته التي تجاوز بها المألوف ليتكلم عن المسكوت عنه في الأغنية في البحرين خصوصاً، و في مساءلة المسلّمات والمضامين الجاهزة التي نشأ عليها جيله والأجيال التي سبقته. فلعل علاء استطاع أن يفعل ذلك في إصداراته السابقة باللغة الإنجليزية، وناقش من خلالها الكثير من المواضيع الشائكة والمهمة في رأيي الشخصي. لكنه في هذا الإصدار ذهب عميقاً في أسئلة كونية لم يُجب عليها أحد من قبل دون الدخول في صِدام مع المجتمع ومو