في مديح الحب

"في مديح الحب" In Praise of Love/ Eloge de l'amour (2001) يتميز بتوظيف الفيلم والفيديو معاً، وهو ينقسم إلى جزئين أو فصلين. القسم الأول (مدّته 60 دقيقة) مصوّر بكاميرا 35 ملي، بالأسود والأبيض، والقسم الآخر (مدّته 30 دقيقة) مصوّر بالفيديو وبالألوان.. بالتالي، يقدّم الفيلم عالميْن بصرييْن متميزيْن.
قبل كل شيء، تجدر الإشارة إلى الالتباس في الترجمة الانجليزية للعنوان. كلمة eloge تعني مرثية (أي elegy) ولا نعرف لماذا اختاروا كلمة مديح بدلاً من المرثية.
القسم الأول يتمحور حول مخرج شاب، إدغار (برونو بوتزولو)، يختبر ممثليه، أو يجري بروفة. إنه يبحث عن شيء ما في ممثليه، وهو في غاية التوتر. نفهم أنه يناضل من أجل تحقيق فيلم يتعامل جزئياً مع المقاومة الفرنسية، أثناء الاحتلال النازي، وجزئياً مع مفهوم الحب عبر أربع حالات أو مراحل مختلفة للحب: تبدأ باللقاء، مروراً يالعاطفة أو الرغبة، ثم الانفصال، وتنتهي بالمصالحة أو إعادة الاكتشاف.. وذلك من خلال العلاقة بين الرجل والمرأة في مراحل عمرية مختلفة: فترة الشباب، البلوغ، الكهولة.

مشروع إدغار ليس مجرد قصة حب. إنه يريد أن يروي شيئاً عن قصص ثلاثة أزواج: من الشباب، والبالغين، والمسنّين. بهذه الطريقة هو يأمل في الذهاب وراء القصص نحو التاريخ.
هو يتمكن من الحصول على تمويل، ويسند دور الزوجة البالغة إلى بيرثا. غير أنه يفقد اتصاله بها، وفي نهاية القسم الأول يعلم أنها انتحرت.
إدغار فنان موهوب، جاد، محبط، عدواني إلى حدٍ ما، وهو شخص غريب الأطوار، يعيش وحده، ويكرس نفسه لعمله.
وشخصية إدغار تتماثل مع غودار، فهو المخرج السينمائي الذي يحاول أن يتجنّب الفخ التجاري، ولديه أفكاره الخاصة، ورؤيته بشأن الحياة والفن والثقافة.
لكن غودار ينفي هذا التماثل، ففي المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد عرض الفيلم في مهرجان كان، سئل عن التحولات في أفلامه وحياته، فقال: "ما هو أكثر شيء تغيّر في سينماي؟.. أود أن أقول: كل شيء. أعرف نفسي بشكل أفضل قليلاً. شخصية إدغار في فيلمي تمثّل رجلاً يحاول أن يكون إنساناً بالغاً. هو ليس أنا.. لا يشبهني. احتجت إلى وقت لكي أكبر وأنضج وأصير بالغاً. وقد ظننت أني سأحقق فيلمي الأول وأنا في الخامسة والعشرين من العمر، مثل أورسون ويلز، غير إني عملت فيه وأنا في الثلاثين. احتجت إلى ثلاثين أو أربعين سنة، منذ ذلك الحين، حتى أجد التوازن بين حياة فيلمي والحياة الحقيقية".
إدغار يجد صعوبة في اختيار ممثلين لفيلمه. إنه يجري مقابلات مع ممثلين وممثلات حتى يختار من بينهم من يعتقد أنه سيكون مناسباً للأدوار. ومع هؤلاء يتحاور حول الحب، الإخفاق، الدين، المقاومة، التاريخ، الذاكرة، البلوغ.
عندما يعجز إدغار عن إيجاد ممثلين مناسبين للأدوار، ينهار المشروع، ويبتعد إدغار.
في القسم الثاني، يتأمل إدغار ماضيه، ويتذكر قبل عامين حين التقى، في المزرعة، بزوجين مسنّين يهمّان ببيع حقوق قصتهما إلى شركة سبيلبرغ الأميركية للإنتاج السينمائي.. القصة التي تسرد تجاربهما مع المقاومة الفرنسية، ضد الاحتلال النازي، أثناء الحرب العالمية الثانية. هنا يلتقي للمرة الأولى بالمرأة الشابة بيرثا (سيسيل كامب) وهي حفيدة المسنّين، وتحاول إقناعهما بعدم بيع الحقوق لكنها تخفق، لأنهما في ضائقة مالية شديدة. من خلال التفاوض بين ممثلي شركة الإنتاج مع الجدّين، يوجّه غودار نقده لأميركا التي لا تاريخاً لها، لا ماضٍ لها، لا معنى لها، لا اسماً لها، لذلك هي تلجأ إلى شراء قصص الآخرين. كما يستغل الفرصة للطعن في ستيفن سبيلبرغ وفيلمه "قائمة شندلر".
في المؤتمر الصحفي في مهرجان كان (Film Comment, Jan./ Feb. 2002) وردّاً على سؤال حول سبب هجومه على سبيلبرغ في هذا الفيلم، لتناوله تاريخ الإبادة الجماعية أو المحرقة في المعسكرات النازية، حسب تصويره لذلك في فيلمه "قائمة شندلر".
قال غودار: "أنا لم ألتق به قط، ولا أعرفه، ولست مولعاً بأفلامه. وقد انتقدته ذات مرة عندما أعاد بناء معسكر أوشفيتز النازي. كفنان وسينمائي شعرت بأن من واجبي أن أشجب ما فعله".
