متاهة ليلى

ظهر محنيّاً، مُتقوِّساً على فعل الكتابة، طاولة تتوسط مطبخاً، أوراق مُكوَّمة على الأرض، بعضُها في سلةٍ بالقرب من حافة نافذة، ذئب ضخم يقف بجوار فتاة.
امرأةٌ نحيلةٌ تجلسُ على كرسيٍّ عالٍ، تضعُ، مستمتعةً،طبقاً داخل ميكروويف أمامها، تنتظرُ راضيةً.
تلتفت الفتاةُ للذِّئب مبتسمةً، تقرأ:
لم أحب يوماً جدتي، تمنَّيت أن تكفَّ عن إيذائي، كنتُ تلميذةً سيئةً، وأمي التائهة في زواجها الثاني، ترسلني إليها.هربت يوماً، وضعت في غابات الأسمنت لأجدَ نفسي في الصَّحراء الخلفية للمدينة، هناك جعت ومتُّ.
ضحك الذِّئبُ وهو يجذبُ الورقة منها، يُكوِّرها ويُلقي بها في السَّلة قائلاً:
ليلى، كفى سوداوية.
كركرت المرأةُ وهي تمصُّ أصابعَها.
ابتسمت الفتاة:
حسنا، سأجعله أقلَّ كابوسية.
الذِّئب:
أرجوكِ، لنقل جدَّتك التي كنتِ برعايتِها كثيرةَ السَّفر، تترككِ لمُددٍ طويلةٍ فجاءت أمُّكِ وأخذتكِ لمنزلِ زوجِها الذي بالغ بتودُّدِهِ و...
تُقاطعُهُ الفتاةُ:
خيالُك خصبٌ ، لنقل:إنني خفتُ من عدم إنجاز واجبي المدرسيّ، تجوَّلت في الشارع، التقاني ذئبٌ أنيقٌ جداً بربطة عنق خضراء ذكرتني بالحدائق، أخذني إلى بيتٍ عامرٍ بالأطعمة المُحضرة في منزله وأخذ ينهي فروضي.
لتلتفت إلى المرأة مكملة:
ولولا زوجتُهُ الطبّاخة الماهرة مابقيت.
ضحكت المرأةُ وهي تفكُّ"مريلتها" قائلةً:
قصةٌ طريفةٌ، تخيَّل ارتداءَكَ ربطةَ عنقٍ خضراء.
طرقاتٌ على الباب، التفت الذئبُ وزوجتُهُ، اتجهت الفتاة إلى الباب وهي تراجع النص.أدارت المفتاح، فتحت، رأت أمامَها طفلاً يفتحُ فمَهُ واسعاً ويشير إليه بلا صوت.
أربكها، صفقت الباب.
سألها الذئب:
ألن تدعيه يدخل؟
- لا أريد التفكير فيه.
- هو مونولوج صغير.
- يمكنك أن تلتهمه.
- تعرفين أنني لن أفعلها... .
قاطعتهما المرأة موجهةً حديثَها للفتاة:
يبدو لطيفاً، ربما ساعدك.
حاسمةً أجابت:رائحةُ فمِهِ لاتُطاق و...سيحزنني أيضاً. لنستمر.
لنقل جدتي امرأة ثرية،موسوسة،بخيلة،عيّنت حراساً من شركةٍ أمنيةٍ مُعتمدةٍ، قررت يوماً تقليل التكاليف،فوضعت إعلاناً ليتقدم لها حراسٌ يحمونها بأسعارٍ بخسةٍ، انقلبوا عليها إزاء تأخرها في دفع رواتبهم مراراً، قتلوها، وأعتقدُ أنَّ آمرَهم يُدعى ذئب...
طَرَقاتٌ جديدةٌ على الباب.
لم تتجه ليلى لفتحه،تجاهلت مايدور،سمعت الذِّئب وهو ينظر إلى أظافرِهِ الطَّويلة قائلاً:
لا أحبُّ هذه الحكاية.
- وضعتك كآمر قويّ، سترى...
تضحكُ المرأةُ قائلةً:
ذئب ليلى الأشر.
تشتدُّ الطرقاتُ، تهبط المرأة من مقعدها العالي، تشير إليهما بيدها أن يكملا، تمسح يدَها بمريلة مطبخ، تتجه للباب تفتحه، تجدُ طفلةً صغيرةً ترتدي الأحمر:
مازلنا ننتظر.
مدَّت المرأةُ نظرَها للخارج، وجدت عدداً لايُحصى من الفتياتِ بأعمارٍ مختلفةٍ يرتدين الرِّداء الأحمر، ابتسمت قائلةً:
حسناً، مازالت مشغولةً.
- مللنا من...
يصرخُ الذِّئبُ من الدّاخل:
تعرفين لولا أنني في حميّة لكنت أكلتك...
تعال لترى أعدادَنا، إذ كلما رسمتنا في محاولاتها للقصِّ تتركنا نتكدس دون تكملةٍ، على فكرة يمكنك أن تأكل إحدانا.
ماذا؟
نعم،بيننا ليلى ثرثارةٌ ومزعجةٌ جداً.
تقطعُ المرأةُ الحديثَ ضاحكةً لتقول:
مهلاً، اصبرن قليلاً، سننتهي، وربما ابتلعتُ السمجة.
تغلقُ المرأةُ البابَ على اعتراضاتها، تعود تجد الفتاة تكتب، يقرأ الذئب متذمراً، تعرف أنَّ زوجَها طيبٌ ومتطلبٌ، لا يرضى إلا بالأفضل.
تقترب منها تهمس:
أظنك تعبت.
نظرت لها ليلى مترددة.
لاعليك، خذي طبق"الموّش" سأسكب فوقه"دقوس صبار" سيعجبك، ارتاحي ثم أسرعي بالعودة.
انصرفت ليلى، فتحت الباب، تحلّق حولَها الصغيراتُ يُطالبْنها بالانتهاء سريعاً وأغلقته.
همست المرأةُ لزوجِها:
ما الأمرُ تبدو غاضباً؟
الوقت يمرُّ ولم تتخلص من الحكاية.
دعك من ذلك...
لم تعد صغيرةً.
لابأس، أمهلها.
- إلى متى ترفض مواجهة ماحدث؟
- ستفعل يوماً، صدِّقني.
نظَّفا الغرفة، جمعا الأوراق المُلقاة أرضاً، وضعاها في السلة المُمتلئة، سقط بعضُها من النافذة، قرَّرا لاحقاً جمعها، جلسا على الطاولة، راقبت ملامِحَهُ الذِّئبيَّةَ تنحسر لتعودَ تفاصيلُ وجهِهِ البشرية، تذكرتُْ اليومَ البعيد الذي استنجدت به ليلى،ابنةُ أخيه المُتوفَّى، طفلة العاشرة، لحظتها أصبح ذئبها الذي أنقذها من الإهمال وتحرشات زوج أمها، أحاطها بأطواقٍ من حنان، كبرت ورحلا ومازالت ليلى تستحضر تشجيعهما في مشاريع كتابتها، تخففاً وعلاجاً ومحبةً...