top of page

اذا لم يكن من نصيبي فهو من حقي




(إلى النهام «مبارك الحداد»)

قيل له: من أين لك هذا الصوت يا مبارك؟

قال: إن للحديد سطوة على الروح، ومن يصغي له يسمع إليه. ليست المطارق وليس السندان، لكنها الكفُّ والذراع والسواعد هي من يمنح الحديد طبيعته، ويجعله ينطق بالصوت.

كنت أنام في الدكان ذات ليلة بعد أن قررت المبيت بجانب كور النار وعدة الشغل لفرط التعب، وإذا بالصوت يوقظني من النوم، ويقول لي: انهضْ، وامسك مطرقتك وشاركنا الغناء والعزف. رأيتُ كائنات تحسن استخدام المطارق، كما لم أعرف من قبل. تتناول الحديد وتحميه وتطرقه برشاقة المحترف. لم أكن أدرك تماماً من أين تأتي بالحديد، لكنها كانت تخرجه من الجمر متألقاً ملتهباً وجاهزاً لشكله الجديد. وفيما كنت منشغلاً بالأصوات التي يطلقونها والإيقاعات التي يعزفونها أثناء عملهم، كانت كومة من المسامير، مختلفة الأحجام، قد تكوّمت وسط المكان.

وفي الصباح، وعيتُ على جسدي منهكاً، وصوتي مبحوحاً لفرط الغناء والعزف والرقص والعمل. فظننت أنني أحلم. غير أن كومة المسامير التي تعثرت بها في وسط المكان، دلّت على أن كل شيء كان حقيقياً، لقد كان الصوت هناك.

فبدأتِ المساميرُ تصوغُ السفينة التي وَعدنا بها البحرَ.


٭ ٭ ٭


هذا المسدول ليس شالاً،

إنها المعرفة

منسدلاً بوجعٍ شفاف من الرغبة

وقليل من الشك.

طموح جامح يختزلك

وأنت في شرفة حانية

بين الخريف والمتعة.

ستسير حتى ينال منك التعب

فلا تتأخر عنه،

في مقعدٍ يرتجفُ تحت وطأته

ستسير ببطء النساء المسنّات

مكتنزاتٍ بالخبرة

قليلات البهجة.

لا تصدق الظن

فأنت لا تصل

تتعب وتغفو ويدك على زناد الوقت

وتنتابك ثلجة المكان

فيما تتوقف قبالة الزجاج الشاهق

لن تصل

بينك وبين ذلك الشال

لهثٌ كثيفٌ

تهمُّ الخطى

معتقداً أنه الشال وهو ينسدل

وبغتة تعرف جهلكَ.

هل جربتَ لحظة المعرفة

في الفضاء الذي انتقم منه «نيتشه»

في غرفةٍ معتمة، بلا تبغ ولا نبيذ

انتفض مثل نمور تنفجر ضاحكة،

هل جربت مستحيلاً بلا خيبة

وتسعَ سنواتٍ من المصحِّ

والجموع الهاجمة بالمدىّ المثلومة

بفعل الصخر في طين الحقول؟

ستسير عابراً الرصيف الآخر

متوهماً أنك تلحق بشالٍ يشهق بروحك

فيما هو ليس كذلك

وأنت تتعثر برشاقة المظلات

متشبثاً بعطر امرأةٍ

تخرج من كتابها الجديد

مصقولة الشفتين

بآخر قبلةٍ خطفها قارئٌ

لم يصدق الشالَ

ولا يسأل النصَ

وكفَّ عن الاكتراث «بنيتشه»

محرّض الوحشَ الأليف في البشر

بشاربه الكثّ

وكينونته الكثيفة.


٭ ٭ ٭


يؤرجح أصفادَه بيديه، كمن يعزف أغنيته المفضلة. يقودونه في حديدٍ ثقيل، لقد كان يزعم لأطفاله أن للحرية طعماً لا تعرفه إلا النفوس الحرة. وإذا صادفَ أن استعاد بعضهم هذا الجسد بعض الوقت، فإن حاسةً طاغية في داخله تمنحه الثقة بأن كل هذا زائل، ليقول: «الحرية، إذا لم تكن من نصيبي الآن، فهي من حقي دائماً. وأن أولادنا وأولادهم سينالونها». المصادفات الأسطورية هي التي جعلته قرين الحديد. لكنه لم يصنع قيداً في حياته. ربما لأنه جرب هذا الحديد وعرف عذابه ومعناه. هل تسمعون إيقاع هذه الأصفاد، فإذن أصغوا إليها جيداَ، تدركون.

30 views0 comments

Recent Posts

See All
bottom of page