top of page

زيو سودرا: كتابٌ يُخلِّد تاريخ حكيم جنة دِلمون



أرضُ الخلود، البًقعةُ المُصطفاة لشروق الشمس، المعصومة من المرض والموت والدنَس، جنةُ عدنٍ والفردوس الإلهي في المدوَّنات المسماريَّة السومريَّة، جزيرة "دِلمون" المُباركة من الإله بالمياه العذبة النابعة من الأرض، وبها أسبَغ عليها نعمته وبركاته التي حوَّلتها إلى حديقة خضراء ثريَّة بالأشجار والحقول والثمار، كانت منزِلاً وموطنًا للملِك الحكيم "زيو سودرا" الذي يُحدثنا عنه كتاب: "زيو سودرا في جنة دِلمون" من تأليف الباحِث البحريني/ محمود عبدالصاحب البقلاوة.

الكتاب الذي رفد المؤلف معلوماته بثلاثٍ وعشرين مرجعًا عربيًا، وثلاثة عشر مرجعًا أجنبيًا، وخمسة متاحف حول العالم، واثني عشر صورة ضوئية، وتسعة عشر لوحة فنية؛ يُقدم للقارئ جانبًا قيِّمًا من تاريخ الحضارة الدِلمونية في مُساهمة لتعزيز ثقافة الأفراد ورفع مستوى وعيهم بتلك الحضارة الإنسانية الراقية التي قامت على أرض ما يُعرف في الوقت الراهن بـ "البحرين"، فالترِكة الأثرية لتلك الحضارة قدَّمت إجاباتٍ مُرضِية على تساؤلات الباحثين عن تأملات البشر في تلك المرحلة الزمنية تجاه الحياة والكون وأصل الوجود، وتمثَّلت تلك التركة بـ "المعابِد، المدافِن التلِّية، المدافِن الملَكيَّة، الأختام الدِلمونية، وشيئًا من الكتابة المسمارية.. صـ 32"، ما جعل من عهدِها بصمةً مُضيئة في تاريخ الوجود الإنساني، وصيَّر من موروث ذاك العهد منارةً لأرواح الطامحين إلى الاستزادة من العِبرة والموعِظة وعُصارة حكمة الأمم السابقة.


اللوح الحادي عشر وقصة الطوفان :


في الثالث من ديسمبر 1872م قدَّم "جورج سميث" من المُتحف البريطاني تقريرًا مُفصلاً عن اكتشاف اللوح الحادي عشر الطيني الذي تم تدوين ملحمة كلكامش السومرية باللغة المسمارية عليه، امتاز هذا اللوح بكونه يحكي قصة الطوفان العظيم التي حكاها "زيو سودرا" إلى الملِك كلكامش، وهو لوحٌ من "آلاف الألواح المسمارية التي احتفظ بها الملك "آشور بانيبال" في مكتبة قصره بين الرسائل والنصوص القانونية، وقوائم بالأفراد، والحيوانات، والبضائع، وذخيرة عظيمة من المعلومات العلمية.. صـ 80".

من تلك الملحمة السومرية العتيقة التي تُعد أطول المؤلفات الأدبية في التاريخ الحضاري الإنساني؛ عرفت البشرية المُعاصرة قصة انطلاق الملك كلكامش إلى "أرض الخلود" بعد صدمته بوفاة صديقه "إنكيدو"، وهناك يلتقي بـ "زيو سودرا" الذي اصطفاه الإله "إنكي" وكافأه بالعيش مُباركًا بحياة طويلة في "أرض الخلود" المعروفة بـ "جزيرة دِلمون" بعد أن نفذ أمره ببناء الفُلك للحفاظ على بذرة البشرية من الفناء التام بالطوفان العظيم المُقدَّر على الأرض عقابًا على الخطايا، فيسأل ملِك بلاد وادي الرافدين "كلكامش" الحكيم "زيو سودرا" المُكافأة بالإقامة ملِكًا في دِلمون عن سر الخلود الأبدي لعله يعتصم به من الموت الذي خطف صديقه، فيأتي جوابهُ مُشيرًا بالتقاط زهرة تنمو تحت مياه الخليج الدلمونية بجانب المحار، فما كان منه إلا أن ربط بقدميه أحجارًا ثقيلة جذبته إلى القاع، ليقع بصره على المرجان ومحارات اللؤلؤ، ويعود إلى مسقط رأسه "أورك" محملا بتلك الكنوز الراقدة في قاع بحر دلمون.

بطل الطوفان بمُسمياتٍ مُختلفة:

أشار الباحِث في كِتابه إلى أن ثمة مصادر تاريخية مُتعددة تحدثت عن الطوفان، وقد ذكرت تلك المصادر اسماء مُختلفة للشخصية التي نالت دور البطولة في هذا الحَدث العظيم "حسب المنهاج والشريعة المقدسة والظرف والزمان والمكان.. صـ 67"، فهو "زيو سودرا" حسب النص المسماري واللغة السومرية، وهو "أتونا بشتم" في النص واللغة الأكدية البابلية"، "زيوثوروس" وفق ما جاء به المؤرخ البابلي برسوسيس، و"أترا خاسيس" باللغة البابلية كذلك، وأخيرًا "بروميثس" في الحضارة اليونانية.. صـ 67".

هذه الشخصية المؤثرة في التاريخ الإنساني والموروث الأدبي القديم استحقت المزيد من اهتمام الباحثين المُخلِصين لا سيما في منطقة الخليج، فبطولتها الأسطورية وخلودها التاريخي يؤكدان أن لهذه المنطقة شأنًا حضاريًا لا يُستهان به في غابر الزمان، ما يجعل من الجُهد التوثيقي الذي بذله الباحث/ محمود عبدالصاحب البقلاوة لإصدار هذا الكتاب وتقديم معلوماته بسهولةٍ وسلاسةٍ تُمكن القارئ غير المتخصص من التعرف إلى تلك الشخصية والإبحار في عالمها دون تعقيد مُستحقًا التقدير والإكبار.

172 views1 comment
bottom of page