top of page

وصفته بالمفكر العربي الأبرز ..جامعة ميغيل-كوين بكندا تنقل كتاب السود في المتخيّل العربي للإنجليزية



كانت صورة السود حتى وقت متأخر موضوعًا شائكاً ومعقداً في سرديات الثقافة العربية ولا تزال. ومع ذلك ، بدأ هذا يتغير بحسب ما كتبت دار نشر جامعة ميغيل-كوين بكندا عندما نشر نادر كاظم ، المفكر العربي البارز، أول تحقيق متعمق للعنصرية ضد السود في العالم العربي في عام 2004 "تمثيلات الآخر: صورة السود في المتخيّل العربي الوسيط".

لتحمل النسخة الإنجليزية عنوناً مستلاً من مرتكز الكتاب الأساسي وهو مصطلح الاستفراق أو الإفريقية، وهو مصطلح مشابه للاستشراق، ومقاربة مبنى تحليل وتفكيك الخطاب الذي ابتكره المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد / فكرة "الاستفراق: السود في المتخيّل العربي الوسيط" Africanism: Blacks in the Medieval Arab Imaginary.



"الاستفراق" Africanism هو مصطلح صكّه نادر كاظم في كتابه للتعبير عن التمثيل العربي السلبي تجاه الأفارقة والسود، والاهتمام المحموم بالتعرّف على أجناسهم وقبائلهم وثقافاتهم ولغاتهم وطبائعم، تمامًا كما كان الاستشراق Orientalism في علاقته بالشرق. وقد سعى كتاب "تمثيلات الآخر" إلى تفكيك هذا الاستفراق وشبكة المعارف التفسيرية التي استحضرت واستنفرت لتدعم المتخيل العربي الوسيط وتعزّزه، حيث لم يكن من السهولة إطلاقاً تفسير توحّش السود وهمجيتهم وفساد أخلاقهم وخَلقهم دون الاستعانة بترسانة المعارف المتداولة آنذاك والتي يوفّرها الطب (نظرية الأخلاط والأمزجة وأثرها في اعتدال البدن أو اعتلاله، وتأثير الهواء في البدن…)، والجغرافيا (نظرية الأقاليم السبعة البطليموسية)، والتنجيم (تأثير الأفلاك والأبراج في البشر والأقاليم)، والتاريخ (الصراع بين الأحباش والعرب)، والقصص الديني (قصة نوح وأولاده الثلاثة: سام، حام، يافث)، وغيرها من المعارف المتداولة آنذاك. لقد تمتّع الاستفراق العربي بامتداد في الزمن وعلى حقول معرفية عديدة. الأمر الذي خلق انطباعاً بكون الصور النمطية تعكس حقيقة هذا "الأسود" المستعرض كما لو كان التمثيل يتطابق مع موضوع التمثيل. وهو ما استلزم من الكتاب فحص طبيعة عملية التمثيل هذه بالرجوع إلى تاريخ تكوّنها ومحدّداتها، واستكشاف المرجعيات والأنساق التي كانت تحكم هذه العملية وتوجّهها بصورة "لا شعورية"، بمعنى أنها تفرض نفسها على الأفراد والجماعات دون أن تمرّ بوعيهم الفاحص والنقدي بالضرورة.

إن أغراض الاستشراق ومقاصده ليست متطابقة بالضرورة مع أغراض "الاستفراق" ومقاصده، غير أن "الاستفراق" العربي والاستشراق الغربي وجملة الكتابات الأوروبية عن أفريقيا والهند وبعض مناطق الشرق الأقصى وأستراليا وجزر البحر الكاريبي، كل ذلك قد نشأ وترعرع في سياق الغلبة الحضارية والسياسية والعسكرية للذات الدارسة والمُعايِنَة. وإذا كان "الاستفراق" العربي لا يبلغ في خطورته مبلغ الاستشراق من الناحية السياسية والاقتصادية والمؤسساتية، فإنه يمثّل، كالاستشراق، خطاباً تمتزج فيه "إرادة القوة" السياسية والحضارية - وهي التي تعزّزت بالاستعمار مع الاستشراق، وبالفتوحات الإسلامية والارتحال في الآفاق مع "الاستفراق" - بـ"إرادة المعرفة" والبحث والرغبة في الاستكشاف، كما أن كلاً من الاستشراق و"الاستفراق" كان يمارس عملية تمثيلٍ نَشِطَة وعنيفة لآخر خارجيّ مختلف عنه دينياً وثقافياً ولغوياً وحضارياً. وهو ما أفضى إلى تشكيل كيانات متخيّلة ومصنوعة عن هذا الآخر، فكما كان الشرق، من منظور إدوارد سعيد، "كياناً مشكلاً مكوّناً" من صنيع الاستشراق، كذلك كان "عالم السود" كياناً مشكّلاً مكوّناً من صنيع الثقافة العربية في العصور الوسطى. لقد صاغ كلٌ من الاستشراق و"الاستفراق" خطاباً متماسكاً وبالغ الثراء عن الآخر، لكنه خطابٌ متخيّلٌ تشكّل من صور وتمثيلات وتحيّزات اكتسبت طبيعتها البديهية المزعومة بفضل سياقات القوة المختلّة لصالح الذات التي صارت قادرة على رسم خطوط متشيّئة تفصل بينها كذات "نقية صافية" عن تلك الأعراق والثقافات الأخرى "الملوّثة".

557 views0 comments
bottom of page