قال له: يا طويل القامة والإقامة. كيف ترى المكان؟
قال: أراه كفنا يُمنح، مثل الهِبة، لميتٍ غافلٍ، ينجو منه عميق الأنفاس، واسع الصدر، ويتعفّن فيه الممتثل لجثته الذهبية.
قال له: لماذا إذن لا تغادر المكان؟
قال: لست من هنا. لا أرى في المكان سوى بيت صغير يطل على زرقة الكون.. إنني أنتمي للوقت أكثر من اكتراثي بالمكان.
المكان لي قبرٌ.
٢
قال له: تسنى لك الوقت كي ترى إلى دفاترهم منشورة في ليل الناس. ترى إليهم وهم يقرأون في الناس مزاميرَهم الباردة في شتاء بارد. يتكتمون على الأخبار، والدفاتر مبذولة للعابر والقاطن والمسافر. تسنى لك أن ترى إليهم وهم يتبذَّلون مضاهاةً لأقدم المهن عراة من المجدي وبلا حياء. لماذا تمعن في هذا الصمت الكثيف؟
قال: هذا ليس صمتاً. إنه قلبٌ يقرأ.
٣
قال له: أما زلت تأمل في اليأس؟ قال: اقتنصني أيها الأمل اقصفني أيها اليأس اقصلني بالمصادفات
٤
قال له: لماذا تكتب؟ قال: أكتب لإيقاظ الصخر وامتحان الآبار العميقة واختزال الفصول محاولاً وضع خمسين عاماً في كلماتٍ خمس.
٥
قال له: ماذا ترى؟ قال: أرى عواصم تحبس الأحصنة في حضيرة شاسعة وتحاول إقناعها بأن هذه هي السهول. أرى خريطة تتقلص فيضيق الفضاء على الناس ويهرب الهواء. أرى الكوابيس في هيئة أحلام شائعة. غير أنني لا أرى إلا ظلاماً كثيفاً يحدق بنا.
٦
قال له: هل ثمة جواب ترغب في الذهاب إليه؟
قال: لا. لا. إنني مولع بالأسئلة. إن الذهاب إلى الأسئلة هو ما أحب أن يرافقني إليها الآخرون، ولفرط الأجوبة التي تحاصرنا نكاد نفقد عادة الحياة.
٧
تلك القناديل التي شحنتها بكيمياء الروح لماذا تنطفئ واحدا بعد الآخر كما لو أن العتمة تشمل مواقع المستقبل؟
٨
بينهما ما يجمع النقائض
وبينهما الماء والنار والثلوج الكثيرة
يسأل كمن يعرف
ويجيب كمن يجهل
بينهما ما يجعل البكاء بوابة المعرفة
والخطيئة طريقة الحياة من سديم الكلام
٩
من هو الذي في صفحة الكتاب الأولى
من هو في البياض الأول
ترى ما يراه الأطفال وهم يولدون
هل ترى
ماذا ترى؟
١٠
دع الماء يتثلّج ويثّلج
دع الدمع يتفصّد مثل الحجر الكريم
أصله في الجبل
ويطلع من الفحم
فيصير البكاء مسموعاً
ويمكن إمساكه.
١١
بينما يتماثل الجرح للنهار
يبدأ ظلامنا في السطوع، مثل طفلٍ يتدرّب على الحياة.
بيننا ما يفتح الدفاتر
بينما الكتابة تتعلم على حبر وشيك
ليست المعاني على الطريق
المعاني تفصل بينهما وتجمع
المعاني هي / هما في لحظة الكتابة.