top of page

دمي زورق(حفنة من غبار غزة)




الموتُ يخطرُ من أمامي

والمكانُ هو المكان

طفلٌ ينزُّ زجاجةَ الأشلاءِ من ثديِ القنابل

ودمي يهرولُ في الزحام

وحشاشةُ امرأةٍ تجودُ بقلبِها المنكوءِ

في صدأِ الركام

أكوامُ غربانٍ ترفُّ أمامَ سربٍ من دخان

وفراشةٌ من أرجوان

كهلٌ يعبُّ لفافةَ التبغِ الأخيرةَ

والمكانُ هو المكان


(لنا الجَفَناتُ الغُرُّ يَلمَعنَ بِالضُحى

وَأَسيافُنا يَقطُرنَ من نجدةٍ دما)


يتدحرجُ الموتى

من الغيماتِ في الأعلى

إلى سفحِ الكآبة

البحرُ يبصقُ ملحَهُ

والقبرُ يوصِدُ في وجوهِ النخلِ بابَه

والدمُّ يدفقُ حبرَهُ المغموسَ

في رئةِ الكتابة

والعابرونَ هُمُ السؤالُ

بلا إجابة

وأنا صهيلُ الأرضِ

خاصرةُ النخيلِ

أبذرُ في مهبّ الريح غاباتٍ من الزيتونِ

في رحم السحابة

والمكانُ هو المكان


(إِنّي لَأَفتَحُ عَيني حينَ أَفتَحُها

عَلى كَثيرٍ وَلَكِن لا أَرى أَحَدا)


خلفي طوابيرٌ منَ الموتى

توابيتٌ منَ الأحياءِ

تدفنُ حزنَها النهريَّ في رأسي

وتشربُ من فمِ البحرِ

ومن يدري؟

لعلَّ غداً

دُمَى الأطفالِ تمتشقُ امرئَ القيسِ

الذي لم ينفتِلْ

من سكرةِ الخمرِ

ومن يدري؟

لعلَّ الشاعرَ الضِلّيلَ

يكسرُ جرّةَ الشعرِ

ويُبطلُ عوذةَ السّحرُ

فلا خمرٌ بلا أمرٍ

ولا أمرٌ بلا خمرِ


وكيفَ أحارُ في أمري

وكيفَ أنغِّمُ النَّايا

وفي عشرينَ عاصمةً

توارتْ ألفُ خنساءٍ

ولم تبقَ سوى (مايا)!


(الخَيْـلُ وَاللّيْـلُ وَالبَيْـداءُ تَعرِفُنـي

وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـمُ)


سروجُ الخيلِ تُنكرنُي

يجوعُ الليلُ

والبيداءُ تبلعُني

توابيتٌ ..

توابيتٌ من الأمشاجِ تمضغُني

وأشباحٌ من الموتى

تطاردُ صوتي المبحوحَ

تلعقُ صمتيَ الأمرد

وتشحذُ سيفيَ الغافي ..

على أنغامِ فيروزٍ

تذكّرني بموعديَ الذي أخلفتُ

تطرقُ بابيَ الموصَد

ومزلاجي ..

أزنِّرُهُ بإحكامٍ

فيُزبِدُ دمُّها المغدورُ في وجهي!

غداً

لا تحسدُ الأكفانُ مَن يولَد

لأنَّ مخاضَ هذا النصلِ

يجهشُ عبرِ دهليزٍ

من الأوجاع

وفي كفني

تضيءُ روائحُ النعناع


(وَنَحنُ أُناسٌ لا تَوَسُّطَ عِندَنا

لنا الصّدرُ دونَ العالَمينَ أوِ القَبرُ)


سيُصلبُ ألفُ تمُّوزٍ

على ضلعي

وألفُ يسوع

سيَرفعُ رمحُ شمرٍ رأسيَ المقطوع

جوارَ النهرِ

تلفظُ قِربةُ العباسِ

ظمأى

آخرَ الأنفاس


أنا وجهٌ هلاميٌّ

من المسِّ

بدونِ ملامحٍ أو لون

بذاكرةٍ مهلهلةٍ

تنوءُ بظلِّ (دير ياسين)

ويشرب صبرَها (صبرا وشاتيلا)


حملتُ حماقةَ المصباح

أفتّشُ عن رفاتِ الشمسِ ذاتَ صباح

ليفركَهُ علاءُ الدين

وتنهضَ غضبةُ التنّين


(وَقَفْتَ وَما في المَوْتِ شكٌّ لوَاقِفٍ

كأنّكَ في جَفنِ الرّدَى وهْوَ نائِمُ)


إذا أيقظْتَني

لا توقظِ الأحلام

دَعِ الأقصى على جفنِ المساءِ ينام!


يمرُّ حريقُ نيرونٍ

على أنقاضِ ذاكرتي التي تُسرَق

ومن يهتمّ؟

من يهتمُّ حينَ مدينتي تغرق؟

دمي زورق


سأعبرُ تلعةَ القدسِ

حذائي الرثُّ يجهِدُني

سأعقدُه على رأسي

ألفلفُ داخلي نفسي

ألفّقُ قصّةً أخرى عن الإنسان

فرنكشتاين …

أضعتُ بطاقةَ العنوان

لكني

نكأْتُ الآن

بقايا صوتيَ المنسي

عثرتُ على

عظامِ كتابيَ المفقود

بين رفاةِ هيرودوت

رميماً داخلَ الكنزة


وبينَ سطورِيَ انتفضت

حكاياتي التي افتضّت

بكارةَ حلميَ الأزرق

دمي أورق

سنابلَ وجهي القمحيّ

وطعمَ شواطئي الملحيّ

في غزة!


14 views0 comments
bottom of page