top of page

ديوان كمال الدين: تساؤلاتٌ فلسفيَّة، همومٌ وطنية



لكُل شاعر خصوصيته الشعريَّة التي تُسبغ على تجربته رِداءًا يُميزها عن غيرها ويُضفي عليها سماتها الجذَّابة للمُتلقين، وفي "ديوان كمال الدين" تتجلى الخصوصية الشعرية للشاعر البحريني/ محمد حسن كمال الدين في خمسة محاور:


  • الأوَّل: تساؤلاته الفلسفية الداخلية التي تدفعه للبحث عن معاني "الوعي بقيم الفضيلة" وكيفية التعامل من خلالها مع الواقع المُعاش، ما انعكس على أشعاره بتحريض المُتلقي على التأمل في عالم الحكمة والسعي للاستزادة منها.

  • الثاني: علاقة الشاعر التفاعُلية مع المُجتمع بحكم نشاطاته المُجتمعية الدائمة، ما جعل من نصوصه الشعرية انعكاسًا لعلاقته الإيجابية بالمُجتمع والبيئة المُتغيرة النابضة بالحياة من حوله.

  • الثالث: يبدو "الهم الوطني" حاضرًا باعتباره أحد هموم الشاعر الأساسيَّة وهواجسه الدائمة التي تبحث عن حلول، لا باعتباره "خاطِرة نادرة" تجتاز الذاكرة بين حينٍ وآخر.

  • الرابع: هيمنة البيئة البحرينية على مشاعره وحواسه تاريخًا وحاضِرًا، بطبيعتيها: الجُغرافيَّة والمُجتمعيَّة.

  • الخامِس: استحواذ الأسرة والأصحاب والأصدقاء على مساحاتٍ واسعة من اهتمامه الإنساني الذي يتبلور في صور نصوص شِعرية ومشاعر تُخلدها الكلمات.


يقولُ الشاعر في قصيدته "ما أشرف العقل":


"لا أفهمُ الشعر.. إلا أنهُ قدري بل أفتدي كُل حرفٍ منهُ بالعُمرِ"


إن الشاعرُ هنا لا يعتبر الشعر في عالمهِ "خيارًا" قابلاً للرفض أو التغيير، بل "قدرًا" لا يُمكن الفكاك منه، إنه جزء لا يتجزأ من ذاته بكل ما يجتازها من أفراحٍ وأتراحٍ ومشاعر مُتضارِبة أو مُتبايِنة، فهو مرآة تساؤلاته الفلسفية الباحثة عن إجاباتٍ عميقة لأسرار الكون وخفايا الحياة وما يدور وراء كواليس المسرحية البشرية المُستمرة على أرض الواقع، مُستعينًا بمحاولة فك تلك الألغاز وسبر أغوار تلك الأسرار بما يملكهُ من ثقافةٍ عالية، وقراءاتٍ مُتعمقةٍ في سِير الأوَلين، وخبرةٍ طويلةٍ بالحياة في الحل والترحال، وتفاعُلٍ بنَّاء مع أفراد مُجتمعه الذي استعان به في تنظيم أفكاره بدءًا بأبسطها وصولاً إلى أعلاها وأكثرها عُمقًا، ولعل من أبرز القصائد التي حاول فيها الشاعر ترجمة تساؤلاته إلى أبياتٍ مُترعة بالتأمل في فضاءات الحكمة: "أعِد عُمري"، ""حين تنام الأحلام"، "ذباب على سطح الخليج"، "الزمن الرديء"، "ترانيم العقل"، سلاسل الأقدار"، "على قارعة البرزخ"، و"سقطة الدجَّال"، بل وكثيرًا ما تُصادف القارئ محاولاتٌ للسير على طريق الحكمة في ظل التساؤلات بين قصائد تنتمي لأغراض شعرية أُخرى، في قصيدة "أطوف على حيِّنا" التي يبدو "البكاء على الأطلال" غرضًا شعريًا بارزًا فيها نرى أنفسنا أمام بيتٍ يفيضُ حكمة مُتسائلاً:


إذا يُرزقُ المالُ أعمى اليدين فهل ينفعُ المالُ من يبخلُ؟!


لقد فضَّل الشاعر خيار الاختلاط بالمجتمع على خيار العُزلة الذي يجنح إليه شُعراء آخرون، فكان نُتاج هذا الاختلاط فيضًا من قصائد الإخوانيَّات التي تجلَّت بين أبياتها حكايات بعض صداقاته وعلاقاته المُجتمعية، وقصائد المدح والرثاء لنخبة من علية القوم في المُجتمع، أما قصائد توثيق المُناسبات العائلية فلم تكُن أقل حظًا من سابقاتها، لكن "الهم الوطني" الذي يحمله كان الأوفر نصيبًا في الاستحواذ على مساحاتٍ أكثر اتساعًا لتأتينا في عناوين نذكر منها: "غاشية النهار"، "عروس البحر"، "حورية البحر"، "التربة الواهية"، "خطيئة اللسان"، "الصقر الحزين"، "ألف آه يا وطن"، "وطني أيها الشموخ"، "على قارعة الوطن"، "عيون بلادي"، "أوال"، "أنشودة للوطن".. وبين قصيدةٍ وأُخرى تُطل علينا اسماء وثيقة الدلالة على البيئة البحرينية مثل: "المحرق"، "المنامة"، "النعيم"، "قلالي"، "سار"، "سواحل البُديع"، "سواحل الدراز"، "المُحرقي"، "الستري"، "الجمري"، سمياهيج"، و"عذاري". كما نلحظ في مُعظم القصائد علاقةً وثيقة بمعلمين بارزين من أهم معالم البيئة البحرينية؛ وهما "البحر" و"النخيل"، فنراهُ – على سبيل المثال لا الحصر- يقول في قصيدة "حملتُ قلبي":


كل الشواطئ وجهُ الشمسِ يحرسها أنشودةٌ صاغها من ضوءهِ القمرُ

فالبحرُ قافية.. والنخلُ قافيةً.. والليلُ قافية.. والفجرُ والسحر


وفي قصيدة "أطوف على حيِّنا":


فأستذكرُ البحر وهو الذي يجودُ علينا بخيرٍ رطيب.

فيا أيها البحر أين الرمال؟ وأينَ المحارُ البعيدُ القريب؟

فأصداء أمواجك لمَّا تزَل تُداعب صدري بصوتٍ عجيب


وفي قصيدة: "الوطن.. التراب.. النخلة":


أيها النخل الذي علَّمنا سر الوفاء

أنت شعرٌ كتبته الأرضُ في جوفِ السماء


لقد استطاع الشاعر البحريني/ محمد حسن كمال الدين في ديوانه الأخذ بيد مشاعر القارئ وفكره نحو عوالم من فخامة الوصف، وجزالة اللغة، وسعة الخيال، وعُمق الفكر، سامحًا لهُ باستكشاف ومضاتٍ من التاريخ، وارتشاف جُرعاتٍ من الحكمة، والتجوال بين ارجاء وطنه الحبيب بمُخيلته، وهي موهبةٌ استحقت أن تلقى نصيبها من الاهتمام، اتحدت بمهاراتٍ لُغوية تستحق الاحترام.

105 views0 comments
bottom of page